( الصفحة 325 )
ما حكي عن الشيخ(1) من الحمل على ما إذا لم يبلغ المرض حدّاً يمنع عن الصوم ; فإنّ التفصيل مناف لذلك قطعاً .
وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) بعد الحكم ببعد الحملين الأوّلين ، ما يرجع إلى أنّه لو كنّا نحن وهذه الصحيحة ، وكانت سليمة عن المعارض ، لالتزمنا بالتخصيص في النصوص المتقدّمة ; لأنّها مطلقة من حيث الكفّارة ومن حيث العذر ، وهذه خاصّة بكفّارة الظهار وبعذر المرض ، فيخصّص ويلتزم بالاستئناف وعدم جواز البناء على ما مضى في خصوص هذا المورد ، إلاّ أنّها في موردها مبتلاة بالمعارض .
وهي صحيحة أُخرى لرفاعة ـ الواردة في الظهار بعينه ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : المظاهر إذا صام شهراً ثمّ مرض اعتدّ بصيامه(2) . ومعلوم أنّ المخصّص المبتلى في مورده بالمعارض غير صالح للتخصيص . إذاً تسقط الروايتان بالمعارضة ، فيرجع إلى عموم الروايات المتقدّمة الدالّة على البناء مطلقاً(3) .
أقول : ولا يجري في هذا المجال ما ذكرناه مراراً من اتّحاد الروايتين في مثل ذلك وعدم تعدّدهما ; لأنّ فرض السؤال في الرواية الأخيرة لرفاعة كان من الإمام (عليه السلام) ، مع أنّ السؤال في روايته الأُولى مذكور في كلام السائل ، والذي يسهّل الخطب أنّ المسألة اتّفاقيّة ، والرواية المخالفة معرض عنها .
ثمّ إنّ المشهور(4) المطابق لمقتضى التعليل إطلاق عدم مانعيّة الإفطار لعذر عن
- (1) تهذيب الأحكام 4: 285، الاستبصار 2: 125.
(2) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 65 ح 135 ، تهذيب الأحكام 8 : 322 ح1195، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 375 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 13 ، وج22: 396، كتاب الإيلاء والكفّارات، أبواب الكفّارات ب25 ح2.
(3) المستند في شرح العروة 22 : 290 ـ 291 .
(4) رياض المسائل 5: 494، جواهر الكلام 17: 75.
( الصفحة 326 )
البناء ; سواء كان في الشهرين المتتابعين ، أو الكفّارات التي حكمنا فيها باعتبار التتابع احتياطاً ، وحكي عن صاحب المدارك(1) إنكار البناء مطلقاً ; نظراً إلى اختصاص النصوص بالشهرين بأجمعها ما عدا رواية ابن أشيم(2) الضعيفة على المشهور ، فلابدّ من الاقتصار في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد النصّ ، فيبقى المكلّف في غيره تحت العهدة إلى أن يتحقّق الامتثال برعاية التتابع .
ويردّه: أنّ الروايات الدالّة على عدم قدح الإفطار لعذر وإن كانت واردة في مورد الشهرين ، إلاّ أنّ بعضها(3) مشتمل على التعليل الجاري في غيرهما ، مضافاً إلى أنّ أصل الحكم فيه احتياطي ، كما عرفت .
- (1) مدارك الأحكام 6 : 247 .
(2) الكافي 4 : 141 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 287 ح 868 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 371 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 2 .
(3) وهي رواية سليمان بن خالد المتقدّمة .
( الصفحة 327 )
وأمّا المندوب منه
فالمؤكّد منه أفراد :
منها : صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، وأفضل كيفيّتها: أوّل خميس منه ، وآخر خميس منه ، وأوّل أربعاء في العشر الثاني .
ومنها : أيّام البيض ; وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر .
ومنها : يوم الغدير ; وهو الثامن عشر من ذي الحجّة .
ومنها : يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ; وهو السابع عشر من ربيع الأوّل .
ومنها : يوم مبعثه (صلى الله عليه وآله) ; وهو السابع والعشرون من رجب .
ومنها : يوم دحو الأرض ; وهو الخامس والعشرون من ذى القعدة .
ومنها : يوم عرفة لمن لم يُضعفه الصوم عمّا عزم عليه من الدعاء مع تحقّق الهلال على وجه لا يحتمل وقوعه في يوم العيد .
ومنها : يوم المباهلة ; وهو الرابع والعشرون من ذى الحجّة ، يصومه بقصد القربة المطلقة، وشكراً لإظهار النبي (صلى الله عليه وآله) فضيلة عظيمة من فضائل مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) .
ومنها : كلّ خميس وجمعة .
( الصفحة 328 )
ومنها : أوّل ذى الحجّة إلى يوم التاسع .
ومنها : رجب وشعبان كلاًّ أو بعضاً ولو يوماً من كلّ منهما .
ومنها : يوم النيروز .
ومنها : أوّل يوم من المحرّم وثالثه 1 .
1ـ يدلّ على استحباب الصوم في جميع الأيّام ما عدا الأيّام المحظورة والمكروهة ـ مضافاً إلى كونه عبادة ، ولازم العباديّة الاستحباب ـ قوله ـ تعالى ـ في الحديث القدسي : الصوم لي وأنا أُجزي به(1) ، وقوله : الصوم جنّة من النار (2) ، وأ نّ نوم الصائم عبادة(3)، والأخبار الكثيرة(4) . كما أنّها تدلّ على تأكّد استحبابه في الأيّام المذكورة في المتن .
وتلك الأخبار ـ وإن فرض الخلل في بعضها ـ تكون مستظهرة بقاعدة التسامح في أدلّة السنن ، ولا فرق في جريان هذه القاعدة بين أصل الاستحباب وتأكّده . وعليه : فلا حاجة إلى البحث في كلّ واحد منها أصلا كما لايخفى ، ولو قلنا بشمول أخبار(5) «من بلغ» للفتاوي أيضاً، يكفي الفتوى بذلك من مثل الماتن (قدس سره) .
- (1) الفقيه 2 : 44 ح 198 ، تهذيب الأحكام 4 : 152 ح 420 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 400 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب ، ب 1 ح 15 و 16 .
(2) الكافي 4 : 62 ح 1 و 3 ، الفقيه 2 : 44 ح 196 و ص 45 ح 200 ، تهذيب الأحكام 4 : 191 ح 544 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 395 ، كتاب الصوم ،أبواب الصوم المندوب ، ب1 ح1 و ص 398 ح8 وص 400 ح13 .
(3) الكافي 4 : 64 ح 12 ، الفقيه 2 : 46 ح 207 ، ثواب الأعمال : 75 ح 2 و 3 ، المقنعة : 304 ، وعنها وسائل الشيعة 10 :396 ، كتاب الصوم ،أبواب الصوم المندوب ، ب 1 ح 4 وص 401 ح 17 وص 403 ح 23 و 24 .
(4) وسائل الشيعة 10 : 395 ـ 407 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب ، ب 1 .
(5) وسائل الشيعة 1 : 80 ـ 82 ، كتاب الطهارة ، أبواب مقدّمة العبادات ب 18، وبحار الأنوار 2 : 256 ب 30 ح1ـ 4 .
( الصفحة 329 )
وأمّا المكروه
فصوم الضيف نافلة من دون إذن مضيّفة ، وكذا مع نهيه ، والأحوط تركه حتّى مع عدم الإذن . وصوم الولد من دون إذن والده مع عدم الإيذاء لهمن حيث الشفقّة ، ولا يُترك الاحتياط مع نهيه وإن لم يكن إيذاءً . وكذا معنهي الوالدة . والأحوط إجراء الحكم على الولد وإن نزل والوالد وإن علا ،بل الأولى مراعاة إذن الوالدة أيضاً .
والأولى ترك صوم يوم عرفة لمن يضُعفه الصوم عن الأدعية والاشتغال بها ، كما أنّ الأولى ترك صومه مع احتمال كونه عيداً . وأمّا الكراهة بالمعنى المصطلح حتّى في العبادات فيهما فالظاهر عدمها 1 .
1ـ المراد بالكراهة ليست هي الكراهة المصطلحة ، بل بمعنى قلّة الثواب إلاّ بالإضافة إلى بعض الأقسام المذكورة في ذيل المسألة ، ونقول :
من المكروهات صوم الضيف نافلة من دون إذن مضيّفه، فضلا عن صورة نهيه ، وقد احتاط بالترك حتّى مع عدم الإذن ، فنقول :
إنّ الأقوال في المسألة على ما ذكرها في الجواهر ثلاثة : فالمعروف والمشهور